الأصول الفكرية للحقوق والحريات العامة في عصر النهضة والعصور الحديثة
إذا كانت العصور الوسطى في القارة الأوربية قد تميزت بالصراع الذي نشب بين الكنيسة من جهة والملوك والأمراء، والذي انتهى بانتصار الملوك والأمراء وفصل الكنيسة عن الدولة مما قاد إلى ان يصبح الملوك أو الأمراء الممثلين للسلطة الزمنية أصحاب النفوذ والسلطان بدون منازع وبشكل خاص بعد القضاء على نظام الإقطاع وقيام الطبقة الوسطى التي يمثلها التجار والصناع والحرفيون.
ومما ساعد في الوصول إلى هذه النتيجة حركة الاستكشافات الجغرافية التي دفعت مع عوامل أخرى إلى قيام الطبقة الرأسمالية التجارية فهي التي قامت بمقاومة النظام الإقطاعي القائم على الملكيات الكبيرة واقتصاد المدن المستقلة وقد نجحت هذه الطبقة في سعيها عندما حققت وحدة السلطة المتمثلة بالملك الذي تم دعم سلطاته في المراحل الأولى من جانب عدد لا بأس به من المفكرين.
ولهذا فقد شهد عصر النهضة ولادة النظام الملكي المطلق الذي ساد في القارة الأوربية وتركزت السلطات الثلاث بيد الملك، فقد مارس السلطة التشريعية بواسطة الأوامر التي كان يصدرها، كما استحوذ على السلطة التنفيذية بشكل كامل ودون شريك.
ولكي يمنع كبار النبلاء والأشراف من الاحتجاج والثورة فقد قام باختيار وزرائه من صغار النبلاء، كما ثبتت له ولاية القضاء بحيث كانت الأحكام تصدر باسمه وله حق التدخل في الدعاوى وفي أي وقت فضلاً عن صلاحيات أخرى أفقدت القضاء كل استقلال
أما الأفراد فقد كانوا في هذه المرحلة محرومين من كل الحريات الفردية وكانت أقوى وسيلة لردع هؤلاء خطابات الملك المغلقة، وهي عبارة عن رسائل مختومة بختم الملك الشخصي وبموجبها توقع العقوبة دون حكم قضائي إلا ان هذا الحال لم يقدر له ان يستمر على المستوى الفكري إذ ظهرت حركات فكرية ناوئت الاستبداد الملكي وأخذت تبحث عن مصدر للسلطة في غير النظريات الثيوقراطية ذات الطابع الديني، ومن ثم فإننا سنحاول تتبع أكثر المفكرين والفلاسفة تأثيراً في هذا المجال سواء في عصر النهضة أو في العصور أو القرون التي أعقبت هذا العصر وبداياته.