تطرقنا في المطلب السابق إلى الأصول الفكرية للحقوق والحريات الأساسية للأفراد، وقد ظهر جلياً المحاولات المستمرة لإبراز القيمة العليا للفرد باعتباره الهدف النهائي وما الدولة إلا وسيلة لتأمين حقوق الأفراد والموازنة بينها ولتحقيق المصالح المشتركة أو الصالح العام، وهذه مسألة ارتبطت في قيامها بإعلانات حقوق الإنسان والمواطن وبظهور حركة الإصلاح الديني البروتستانتي قبل ذلك وظهور الطبقة البرجوازية فهناك علاقة متبادلة بين هذه العوامل وان كانت من الصعب تحديد طبيعة هذه العلاقة فيما إذا كانت مجرد علاقة تزامن تاريخي أم انها علاقة السبب بالنتيجة، وهنا من الضروري الإشارة إلى أبرز الشخصيات الفكرية التي ذكرنا والتي مثلت أفكارهم الأسس الفكرية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية قد تأثر بعضهم بالآخر فروسو يعتبر جروشيوش أستاذ علم السياسة، وليس تأثير لوك في مونتسيكو بخافٍ على أحد، بل ان لوك قد أثر في روسو كذلك إلى حدٍ كبير كما تأثر الأخير بهوبز عندما اقتبس منه فكرة العقد الاجتماعي والمجتمع المدني ولكن الفرق يبقى قائماً بين علماء الحقوق الطبيعية وفلاسفة فرنسا في القرن الثامن عشر إذ تحاشى علماء الحقوق الطبيعية الوصول إلى النتائج المنطقية الجريئة لأفكارهم نتيجة تمتعهم بحماية أمراء أوربا إلا ان النتيجة قد أدت إلى تبلور مفهوم يمكن ان نطلق عليه النظرية التقليدية في حقوق الأفراد العامة